فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفُرّع على هذا الدليل إنكارٌ على عدم تدبرهم في ذلك وإهمالهم النظر بقوله: {أفلا تتذكرون} فهو استفهام إنكاري.
والتذكر: مشتق من الذُكر الذي هو بضم الذال وهو التفكر والنظر بالعقل.
{يُدَبّرُ الْأَمْرَ منَ السَّمَاء إلَى الْأَرْض ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْه في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ ممَّا تَعُدُّونَ (5)}.
جملة {يدبر الأمر} في موضع الحال من اسم الجلالة في قوله تعالى: {الله الذي خلق السماوات والأرض} [السجدة: 4]، أي: خلق تلك الخلائق مدبّرًا أمرها.
ويجوز أن تكون الجملة استئنافًا، وقوله: {من السماء} متعلق ب {يدبر} أو صفة للأمر أو حال منه، و{من} ابتدائية.
والمقصود من حرفي الابتداء والانتهاء شمول تدبير الله تعالى الأمور كلها في العالمين العلوي والسفلي تدبيرًا شاملًا لها من السماء إلى الأرض، فأفاد حرف الانتهاء شمول التدبير لأمور كل ما في السماوات والأرض وفيما بينهما.
والتدبير: حقيقته التفكير في إصدار فعل متقن أوله وآخره وهو مشتق من دُبُر الأمر، أي: آخره لأن التدبير النظر في استقامة الفعل ابتداء ونهاية.
وهو إذا وصف به الله تعالى كنايةٌ عن لازم حقيقته وهو تمام الإتقان، وتقدم شيء من هذا في أول سورة يونس وأول سورة الرعد.
و{الأمر} الشأن للأشياء ونظامُها وما به تقوُّمها.
والتعريف فيه للجنس وهو مفيد لاستغراق الأمور كلها لا يخرج عن تصرفه شيء منها، فجميع ما نقل عن سلف المفسرين في تفسير الأمر يرجع إلى بعض هذا العموم.
والعروج: الصعود.
وضمير {يَعْرُجُ} عائد على {الأَمْرَ}، وتعديته بحرف الانتهاء مفيدة أن تلك الأمور المدبَّرة تصعد إلى الله تعالى؛ فالعروج هنا مستعار للمصير إلى تصرف الخالق دون شائبة تأثير من غيره ولو في الصورة كما في أحوال الدنيا من تأثير الأسباب.
ولما كان الجلال يشبَّه بالرفعة في مستعمل الكلام شبه المصير إلى ذي الجلال بانتقال الذوات إلى المكان المرتفع وهو المعبر عنه في اللغة بالعُروج، كما قال تعالى: {إليه يصعَد الكَلم الطّيب والعملُ الصالحُ يرفعُه} [فاطر: 10]، أي: يرفعه إليه.
و{ثم} للتراخي الرتبي لأن مرجع الأشياء إلى تصرفه بعد صدورها من لدنه أعظم وأعجب.
وقد أفاد التركيب أن تدبير الأمور من السماء إلى الأرض من وقت خلقهما وخلق ما بينهما يستقر على ما دبر عليه كلٌّ بحسب ما يقتضيه حال تدبيره من استقراره، ويزول بعضه ويبقى بعضه ما دامت السماوات والأرض، ثم يجمع ذلك كله فيصير إلى الله مصيرًا مناسبًا لحقائقه؛ فالذوات تصير مصير الذوات والأعراض والأعمال تصير مصير أمثالها، أي: يصير وصفها ووصف أصحابها إلى علم الله وتقدير الجزاء، فذلك المصير هو المعبر عنه بالعروج إلى الله فيكون الحساب على جميع المخلوقات يومئذ.
واليوم من قوله: {في يوم كان مقداره ألف سنة} هو اليوم الذي جاء ذكره في آية سورة الحج (47) بقوله: {وإن يومًا عند ربك كألف سنة مما تعدون} ومعنى تقديره بألف سنة: أنه تحصل فيه من تصرفات الله في كائنات السماء والأرض ما لو كان من عمل الناس لكان حصول مثله في ألف سنة، فلك أن تقدر ذلك بكثرة التصرفات، أو بقطع المسافات، وقد فُرضت في ذلك عدة احتمالات.
والمقصود: التنبيه على عظم القدرة وسعة ملكوت الله وتدبيره.
ويظهر أن هذا اليوم هو يوم الساعة، أي ساعة اضمحلال العالم الدنيوي، وليس اليوم المذكور هنا هو يوم القيامة المذكور في سورة المعارج قاله ابن عباس.
ولم يُعيّن واحدًا منهما، وليس من غرض القرّاء تعيين أحد اليومين ولكن حصول العبرة بأهوالهما.
وقوله: {في يوم} يتنازعه كل من فعلي {يُدبر} و{يعرج} أي يحصل الأمران في يوم.
وألف عند العرب منتهى أسماء العدد وما زاد على ذلك من المعدودات يعبر عنه بأعداد أخرى مع عدد الألف كما يقولون خمسة آلاف ومائة ألف وألف ألف.
وألف يجوز أن يستعمل كناية عن الكثرة الشديدة كما يقال: زرتُك ألفَ مرة وقوله تعالى: {يود أحدهم لو يُعَمَّر ألف سنة} [البقرة: 96]، وهو هنا بتقدير كاف التشبيه أو كلمة نَحْوَ، أي كان مقداره كألف سنة أو نحو ألف سنة كما في قوله: {وإن يومًا عند ربك كألف سنة مما تَعُدُّون} [الحج: 47].
ويجوز أن يكون {ألف} مستعملًا في صريح معناه.
وقوله: {مما تعدون}، أي: مما تحسبُون في أعدادكم، و{ما} مصدرية أو موصولية وهو وصف ل {ألف سنة} وهذا الوصف لا يقتضي كون اسم ألف مستعملًا في صريح معناه لأنه يجوز أن يكون إيضاحًا للتشبيه فهو قريب من ذكر وجه الشبه مع التشبيه وقد يترجح أن هذا الوصف لما كان في معنى الموصوف صار بمنزلة التأكيد اللفظي لمدلوله فكان رافعًا لاحتمال المجاز في العدد. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{يُدَبّرُ الْأَمْرَ منَ السَّمَاء إلَى الْأَرْض}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يدبر الأمر من السماء، إلى الأرض، وأنه يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة.
وأشار تعالى إلى هذا المعنى في قوله: {الله الذي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمنَ الأرض مثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمر بَيْنَهُنَّ} [الطلاق: 12]، وقد بين في سورة الحج أن اليوم عنده تعالى كألف سنة مما يعده الناس، وذلك في قوله تعالى: {وَإنَّ يَوْمًا عندَ رَبّكَ كَأَلْف سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47] وقد قال تعالى في سورة سأل سائل: {تَعْرُجُ الملائكة والروح إلَيْه في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ خَمْسينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4].
وقد ذكرنا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب الجمع بين هذه الآيات من وجهين:
الأول: هو ما أخرجه ابن أبي حاتم، من طريق سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس من أن يوم الألف في سورة الحج، هو أحد الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض، ويوم الألف في سورة السجدة هو مقدار سير الأمر وعروجه إليه تعالى، ويوم الخمسين ألفًا هو يوم القيامة.
الوجه الثاني: أن المراد بجميعها يوم القيامة، وأن الاختلاف باعتبار حال المؤمن والكافر، ويدل لهذا الوجه قوله تعالى: {فَذَلكَ يَوْمَئذٍ يَوْمٌ عَسيرٌ عَلَى الكافرين غَيْرُ يَسيرٍ} [المدثر: 910] وقوله تعالى: {مُّهْطعينَ إلَى الداع يَقُولُ الكافرون هذا يَوْمٌ عَسرٌ} [القمر: 8].
وقد أوضحنا هذا الوجه في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى: {أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقيلًا} [الفرقان: 24]، وقد ذكرنا في دفع إيهام عن آيات الكتاب أن أبا عبيدة روى عن إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة أنه حضر كلا من ابن عباس وسعيد بن المسيب سئل عن هذه الآيات فلم يدر ما يقول فيها، ويقول: لا أدري. اهـ.

.قال الشعراوي:

{اللَّهُ الَّذي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا في ستَّة أَيَّامٍ}.
يخبرنا الحق- تبارك وتعالى- أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما لخدمة الإنسان، وهو المكرَّم الأول في هذا الكون، وجميع الأجناس في خدمته حيوانًا ونباتًا وجمادًا، فهو سيد في هذا الكون، لكن هل أخذ هذا السيد سيادته بذاته وبفعله؟ لا إنما أخذها بفضل الله عليه، فكان عليه أولًا أنْ يشكر مَنْ أعطاه هذه السيادة على غيره.
وهذا السيد عمره ومروره في الحياة عبور، فعمره فيها يطول أو يقصر ينتهي إلى الموت، في حين أن الجمادات التي تخدمه عمرها أطول من عمره، وهي خادمة له، فكان لزامًا عليه أنْ يتأمل هذه المسألة: كيف يكون عمر الخادم أطول وأبقى من عمر السيد المخدوم؟
إذن: لابد أن لي عمرًا آخر أطول من هذا، عمرًا يناسب تكريم الله لي، ويناسب سيادتي في هذا الكون، إنها الآخرة حيث تندثر هذه المخلوقات التي خدمتني في الدنيا وأبقى أنا، لا أعيش مع الأسباب، إنما مع المسبب سبحانه، فلا أحتاج إلى الأسباب التي خدمتني في الدنيا، إنما أجد كل ما أشتهيه بين يديَّ دون تعب ودون سَعْى، وهذه ارتقاءات لا تكون إلا لمَنْ يطيع المرقى المعطي.
لذلك، الحق- سبحانه وتعالى- يلفتنا ويقول: صحيح أنت أيها الإنسان سيد هذا الكون وكل مخلوقاتي في خدمتك، لكن خَلْقها أكبر من خَلْقك: {لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ منْ خَلْق الناس} [غافر: 57].
لماذا؟ لأن الناس أعمارًا محددة، مهما طالت لابد أن تنتهي إلى أجل، ثم إن هذه الأعمار لا تًسْلم لهم، إنما تنتابها الأغيار، فالغنيّ قد يفتقر، والصحيح قد يمرض، والقوي قد يضعف، أمّا الشمس والقمر والنجوم والكون كله فلا يتعرض لهذه الأغيار فما رأينا الشمس أو القمر أو النجوم أصابتها علة وانتهت كانتهاء الإنسان، ثم أنتَ لستَ مثلها في العظمة المستوعبة؛ لأن قصارى ما فيك أنك تخدم نفسك أو تخدم البيئة التي حولك، أمَّا هذه المخلوقات فتخدم الكون كله.
فإذا اقرَّ- حتى الكفار- بأن الله تعالى هو خالق السماء والأرض إذن: فهي دليل أول على وجود الحق تبارك وتعالى.
ومسألة خَلْق السماوات والأرض من الأشياء التي استأثر الله بعلمها وليس لأحد أنْ يقول: كيف خُلقت ولا حتى كيف خُلق الإنسان؛ لأن مسائل الخَلْق لم يشهدها أحد فيخبرنا بها؛ لذلك يقول تعالى: {مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السماوات والأرض وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسهمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخذَ المضلين عَضُدًا} [الكهف: 51].
فسماهم الله مُضلّين، والمضلّ هو الذي يجنح بك إلى طريق باطل، ويصرفك عن الحق، وقد رأينا فعلًا هؤلاء المضلّين وسمعنا افتراءاتهم في مسألة خَلْق السماوات والأرض.
إذن: خَلْق السماوات والأرض مسألة لا تُوخَذ إلا ممَّنْ خلق؛ لذلك قَصَّ لنا ربنا- تبارك وتعالى- قصة خَلْق آدم، وقصَّ لنا قصة خلق السماوات والأرض، لكن الخَلْق حدث وفعل، والفعل يحتاج إلى زمن تعالج فيه الحدث وتزاوله، والإشكال هنا في قوله تعالى: {في ستَّة أَيَّامٍ} [السجدة: 4]. فهل الحدث بالنسبة لله تعالى يحتاج إلى زمن؟
الفعْل من الإنسان يحتاج إلى علاج يستغرق زمنًا، حيث نوزع جزيئات الفعل على جزئيات الزمن، أما في حقه تعالى فهو سبحانه يفعل بلا علاج للأمور، إنما يقول: للشيء كن فيكون، أما قوله تعالى: {في ستَّة أَيَّامٍ} [السجدة: 4] فقد أوضحناها بمثال، ولله المثل الأعلى.
قلنا: أنت حين تصنع الزبادي مثلًا تأتي بالحليب، ثم تضع عليه خميرة زبادي سبق إعداده، ثم تتركه في درجة حرارة معينة سبع أو ثماني ساعات بعدها تجد الحليب قد تحوَّل إلى زبادي، فهل تقول: إن صناعة الزبادي استغرقت مني سبعًا أو ثماني ساعات؟ لا، إنها استغرقتْ مجرد إعداد المواد اللازمة، ثم أخذت هذه المواد تتفاعل بعضها ببعض، إلى أن تحولت إلى المادة الجديدة.
كذلك الحق- تبارك وتعالى- خلق السماوات والأرض بأمره كُنْ، فتفاعلت هذه الأشياء مُكوّنه السماوات والأرض.
ومسألة خلق السماوات والأرض في ستة أيام عُولجت في سبع سور من القرآن، أربع منها تكلمْن عن خلق السماوات والأرض ولم تتعرض لما بينهما، وثلاث تعرضتْ لخَلْق السماوات والأرض وما بينهما، ففي الأعراف مثلًا، وفي يونس، وهود، والحديد. تعرضت الآيات لخلق السماوات والأرض فقط.
وفي الفرقان والسجدة وق. فتكلَّمتْ عن البينية، فكأن السماوات والأرض ظرف خُلق أولًا، ثم خُلق المظروف في الظرف، وهذا هو الترتيب المنطقي أنْ تُعدَّ الظرف أولًا، ثم تضع فيه المظروف.
وقوله تعالى: {في ستَّة أَيَّامٍ} [السجدة: 4] الله يخاطب بهذه الآيات العرب، واليوم له مدلول عند العرب مرتبط بحركة الشمس والقمر، فكيف يقول سبحانه: {في ستَّة أَيَّامٍ} [السجدة: 4] ولم تخلق بعد لا الشمس ولا القمر؟
نقول: المعنى خلقها في زمن يساوي ستة أيام بتقديرنا نحن الآن، وإلا فاليوم عند الله تعالى يختلف عن يومنا، ألم يقل سبحانه وتعالى: {وَإنَّ يَوْمًا عندَ رَبّكَ كَأَلْف سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47] أي: في الدنيا.
وقال عن اليوم في الآخرة: {تَعْرُجُ الملائكة والروح إلَيْه في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ خَمْسينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4] فلله تعالى تقدير لليوم في الدنيا، ولليوم في الآخرة.
والحق سبحانه لم يُفصّل لنا مسألة الخَلْق هذه إلا في سورة فُصّلَت فهي التي فصَّلَتْ القول في خَلْق السماوات والأرض، وهذه من عجائب هذه السورة.
فقال تعالى: {قُلْ أَئنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض في يَوْمَيْن وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلكَ رَبُّ العالمين وَجَعَلَ فيهَا رَوَاسيَ من فَوْقهَا وَبَارَكَ فيهَا وَقَدَّرَ فيهَآ أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَة أَيَّامٍ} [فصلت: 9-10] هذه ستة أيام. {ثُمَّ استوى إلَى السماء وَهيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَللأَرْض ائتيا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئعينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ في يَوْمَيْن}.
[فصلت: 11-12] وهكذا يصبح المجموع ثمانية أيام.
إذن: كيف نُوفّق بين ستة أيام في الإجمال، وثمانية أيام في التفصيل؟ قالوا: الأعداد يُحمل مُجْملها على مفصَّلها؛ لأن المفصَّل تستطيع أن تضم بعضه إلى بعض، أما المجمل فهو النهاية.
وأَعْد معي قراءة الآيات: {قُلْ أَإنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض في يَوْمَيْن وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلكَ رَبُّ العالمين وَجَعَلَ فيهَا رَوَاسيَ من فَوْقهَا وَبَارَكَ فيهَا وَقَدَّرَ فيهَآ أَقْوَاتَهَا} [فصلت: 9-10] وهذا كله من لوازم الأرض {في أَرْبَعَة أَيَّامٍ} [فصلت: 10] أي: أن هذه اللوازم تابعة لما قبلها.
فالمعنى: في تتمة أربعة أيام، فاليومان الأولان داخلان في الأربعة، كما لو قلت: سرْتُ من القاهرة إلى طنطا في ساعة، وإلى الأسكندرية في ساعتين، فالساعة الأولى محسوبة من هاتين الساعتين.
فالحق سبحانه خلق الأرض في يومين، وخلق ما يلزمها في تتمة الأربعة الأيام، فالزمن تتمة للزمن؛ لأن الحدث يُتمّم الحدث، إذن: المحصلة النهائية ستة أيام، وليس هناك خلاف بين الآيات {وَلَوْ كَانَ منْ عند غَيْر الله لَوَجَدُوا فيه اختلافا كَثيرًا} [النساء: 82] ومن العجيب أن يأتي هذا التفصيل في فَصّلت.
وقوله تعالى: {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} [السجدة: 4] الحق- سبحانه- تبارك وتعالى- يخاطب الخَلْق بما يُقرّب الأشياء إلى أذهانهم؛ لأن الملوك أو أصحاب الولاية في الأرض لا يستقرون على كراسيهم إلا بعد أنْ يستتبَّ لهم الأمر.
فمعنى {استوى} [السجدة: 4] صعد وجلس واستقر، كل هذه المعاني تناسب الآية، لكن في إطار قول الحق سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمثْله شَيْءٌ} [الشورى: 11].
فكما أن لله تعالى وجودًا ليس كوجودك، وسَمْعًا ليس كسمعك، وفعلًا ليس كفعْلك، فكذلك له سبحانه استواء، لكن ليس كاستوائك، وإذا دخلت حجرة الجلوس مثلًا عند شيخ البلد وعند العمدة والمحافظ ورئيس الجمهورية ستجد مستويات متباينة، كلٌّ على حسب ما يناسبه، فإذا كان البشر يتفاوتون في الشيء الواحد، فهل نُسوّى بينا وبين الخالق عز وجل؟